إن كنت من محبي التاريخ وهواية ركوب الخيول وترغب في وجهة واحدة لترضيَ فيها شغفك هذا، فأنت تتحدث عن مدينة منغوليا الداخلية. ورغم عدم وجود رابط بين هذه الهوايات أو الرغبات، إلا أن منغوليا الداخلية قررت أن تجمع بينها، وأن تمنحك تجربة ستعلقُ بذاكرتك لمدة طويلة.
تعد منطقة منغوليا الداخلية وجهة سياحية مشهورة في شمال الصين، المنطقة تنفرد بملامحها الطوبوغرافية المتنوعة، و المروج الواسعة في وسطها ، والصحاري الشاسعة في غربها ، و الغابات الكثيفة في شرقها ،و تحتضن أعلى قمم جبال شينغان المشهورة ،فهي جنة المناظر الطبيعية، ما زاد من جمال المنطقة و سحرها ملامحها الفريدة و بساطة العادات الشعبية والملابس الجميلة ومهرجان نامودا التقليدي ومدنها الجديدة التي تشهد تغيرات مدهشة يوما بعد يوم.
فإلى جانب تراثها الثقافي والتاريخي الغني جدا، تتمتع منغوليا الداخلية بمواردها السياحية الوافرة التي تشمل ثقافات الأقليات القومية المتنوعة، والمناظر الطبيعية الجميلة في المروج الواسعة، والغابات العذراء في منطقة دا شينغ آن لينغ، والمناظر الخلابة في النهر الأصفر، ومنطقة شيانغ شا وان الساحرة، والعديد من البحيرات والينابيع المعدنية، إضافة إلى ضريح جنكيز خان، ومقبرة وانغ تشاوجيون، وسور الصين القديم، ومعبد وو دانغ تشاو في جبل ين شان، ومجموعة من المقابر المزخرفة بالرسوم الجدارية لأسرة هان الشرقية الملكية وغيرها من الآثار القديمة.
الموقع و التأسيس :
تقع منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم في أقصى شمال الصين، تمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي على شكل مستطيل ضيق، طولها من الشرق إلى الغرب 2400 كم ومن الجنوب إلى الشمال 1700 كم. تخترق مناطق شمال شرقي الصين وشمالها وشمال غربيها، إجمالي مساحتها 1.183 مليون كم مربع، أي 12.3% من إجمالي مساحة الصين، وتعتبر محافظة منغوليا الداخلية من أكبر محافظات الصين، وتحتل المرتبة الثالثة بين المقاطعات والمناطق والمدن. تجاور 8 مقاطعات ومناطق في جهاتها الشرقية والجنوبية والغربية، وتتاخم جمهورية منغوليا وروسيا. طول حدود الصين فيها 4200 كم. وتعد منغوليا الداخلية واحدة من المناطق الأكثر كثافة في الصين من حيث الأراضي المتصحرة والرملية. ووصلت مساحة الأراضي المتصحرة إلى ما يقرب من 61 مليون هكتار ، تمثل 23.3 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي المتصحرة في البلاد. وتغطي الأراضي الرملية مساحة 40.8 مليون هكتار، تشكل 23.7 في المائة من إجمالي البلاد.
تأسست منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم في أول مايو عام 1947، وهي أول منطقة قومية ذاتية الحكم في الصين. ويعيش فيها حاليا مواطنون من قوميات منغوليا وهان وداهور وأونك وألونتشون وهوى وغيرها من 49 قومية مختلفة، ويبلغ عدد سكانها الاجمالي 25.2 مليون نسمة. وتعتبر منغوليا الداخلية موطن أبناء القومية المنغولية، تستمع فيها بحياة الرعاة وثقافة المروج وعادات وتقاليد هذه القومية البدوية والتي هي مسقط رأس “جنكيز خان” وأثار الثقافة التاريخية الغنية.
هوهيهوت: الحظيرة التاريخية لمنغوليا الداخلية
يزيد تاريخ مدينة هوهيهوت و التي تعني بالصينية ” المدينة الزرقاء”،حاضرة منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في الصين عن 2400 سنة، حيث يحدها شمالا جبل داتشينغ وجنوبا منحنى النهر الأصفر.
تقع هذه المدينة في طريق النقل الرئيسي منذ العصور القديمة، وخلال سلالات مينغ وتشينغ كانت مدينة عسكرية هامة، بالاضافة إلى كونها مركزا تجاريا بالغ الأهمية للقوافل التجارية المحملة بمختلف أنواع الشاي المتجهة إلى دول ومناطق شمالي الصين. كما تميزت هوهيهوت أيضا بالجمع بين ثقافة البدو الرحل وبين ثقافة المزارعين على طول النهر الأصفر مما جعلها مدينة ثقافية شاملة ومميزة في الحدود الشمالية للصين.
هذا بالإضافة إلى طقسها المعتدل، فبردها في الشتاء ليس قارسا كما أن الحرارة فيها في فصل الصيف غير حارقة، مما جعلها منتجعا صيفيا بامتياز. ونظرا لهذه البيئة المثالية والجميلة فقد اجتذبت إليها المزيد من السياح الصينيين والأجانب إذ سجلث 15 مليون سائح خلال عام 2023.
يوجد هنا العديد من المواقع الأثرية الهامة مثل معبد داتشاو، ومعبد ووتا، ومتحف الجنرال ياشو.
تتميز ليالي الصيف في هوهيهوت بسحر خاص. ففي شارع كوان شيان تسي تجتذب الوجبات الخفيفة المحلية المتخصصة مثل شاوماي والشاي بالحليب ولحم الضأن المطبوخ والعديد من منتجات الألبان الأخرى عددا لا يحصى من الزوار ومن محبي هذه الأطعمة اللذيذة. وفي الجانب المقابل لهذا المكان يوجد شارع سايشانغ القديم ، وهو أيضا يظهر السحر الجذاب لمدينة هوهيهوت.
و إذا كنت من عشاق المتاحف و السفر عبر مختلف الحقب التاريخية ما عليك الا زيارة متحف هوهيهوت لفنون النحت و حديقة هوهيهوت الدولية للنحت ،يقع المتحف في اقصى الطرف الشمالي من المحور الثقافي لطريق الحرير ، و هو ما جعل من مدينة هوهيهوت مدينة حضارية حديثة ذات خصائص الحدود الشمالية للبلاد، و يعد قاعدة الممارسة التعليمية لتنمية الوعي بمجتمع الأمة الصينية المشترك.
اما حديقة هوهيهوت الدولية للنحت تقع في منتزه طريق الحرير البراري الثقافي،تم انشاء المتحف و الحديقة الدولية من اجل شرح روح طريق الحرير المتمثلة في “التعاون السلمي و الإنفتاح و التسامح و التعلم المتبادل و المنفعة المتبادلة و الفوز المشترك”،تحتوي الحديقة على 58 منحوتة بما فيها 19 منحوتة عالمية و 26 منحوتة محلية الى جانب 13 عملا من اعمال حديقة الحكمة الصينية.
تمثل السياحة في منغوليا الخروج عن مسار الرحلة السياحية المألوفة، حيث إنها بلد بها مزيج مختلف ومتنوع بين الثقافة والتاريخ والطبيعة،فهي وجهة سياحية بها جميع المقومات السياحية من المواقع التاريخية الجذابة والمناظر الطبيعية الخلابة والأماكن الترفيهية التي يأتي إليها السياح من كل مكان، حيث تتيح لك منغوليا القيام بأفضل التجارب الفريدة والمغامرات المثيرة.
السهول و المروج
المروج الجميلة أكثر المناظر الطبيعية جمالا في منغوليا الداخلية، وهي اسم بديل للمنطقة، ودائما يسمى أبناء منغوليا الداخلية أنفسهم أبناء المروج، حيث أصبحت مروج منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم شمال الصين مؤخرا وجهة سياحية مفضلة لدى الزوار والسياح مع حلول موسم الصيف، وذلك ليس بفضل الأجواء المعتدلة التي تشهدها المروج دائما فحسب، بل بسبب مناظرها الطبيعية الساحرة التي تتمثل في السجادة الطبيعية الخضراء والسماء الصافية ومجاري الأنهار المتعرجة والماشية المنتشرة في جميع أرجائها.
- فالي أورخون
يُعد هذا الوادي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو
مُنذُ عام 2004 ويحتل مساحة تقريبًا 122000 هكتار
على جانبي نهر أورخون، أنها أراض عشبية واسعة
تشمل بعض المواقع الأثرية التي يعود تاريخها
إلى القرن السادس مثل كنيسة صغيرة يعود تاريخها إلى الإمبراطورية المغولية لجنكيز خان والكثير من المناظر الطبيعية الخلابة الساحرة للاستمتاع بعطلة رائعة.
- حجارة “Uushgiin”
إنه قلب العصر البرونزي في منغوليا حيث تم العثور على العديد من المعالم الأثرية من ذلك الوقت في هذه المناطق، وعادةً ما توجد هذه الأحجار الغريبة معًا بجانب الأثار الغير عادية والتي تُسمى الخرجسور في مجمعات تحتوي على مسلات جنائزية أحيانًا مع نقوش منقوشة عليها.
يتراوح ارتفاع الأحجار عادة بين متر وأربعة أمتار وغالبًا ما تجمع الزخارف بين أنماط مُختلفة، وتم العثور على أكثر من 1200 من هذه الأحجار الرائعة.
يحتل المجمع حوالي 400 هكتار ويوجد حوالي 30 من هذه الحجارة بالإضافة إلى شواهد قبور بالإضافة إلى خرسنات ضخمة إنها وجهة رائعة بلا شك لاكتشافها.
- بحيرة خوفسغول نور
تقع البحيرة بالقرب من أحجار “Uushgiin” وتُعرف باسم المحيط الأم أو اللؤلؤة الزرقاء بين الشعب المنغولي أنها بحيرة مياه عذبة تحتوي على حوالي 2% من المياه العذبة في العالم وتعتبر أيضًا جانبًا شقيقًا لبحيرة بايكال.
أنها أكبر بحيرة في البلاد ويبلغ طولها 136 مترًا بعمق 262 مترًا في أعمق نقطة ترتفع أكثر من 1600 متر فوق مستوى سطح البحر، وهي قريبة جدًا من الحدود مع روسيا وتحتضنها العديد من الجبال يزيد ارتفاع بعضها عن ثلاثة آلاف متر، ومياهها زرقاء عميقة في فصل الشتاء بسبب البرد العالي في المنطقة الذي يصل أحيانًا إلى -40 درجة مئوية ويتجمد سطحها.
- السياحة في إردنيت
هي واحدة من أفضل مدن منغوليا وأصغرها وأجملها كونها مليئة بالوجهات السياحية التي تستحق الزيارة واستكشافها، تتيح لك هذه المدينة ممارسة بعضًا من الأنشطة الترفيهية الممتعة مثل مشاهدة أمتع السباقات والذهاب إلى ساحات الرمادية العديدة بالمدينة، ومن أفضل الأماكن السياحية بها جبل بيان اندور، مركز إردينت الثقافي، مصنع إردنيت للسجاد للتعرف على كيفية صنع السجاد المنغولي المعروف عالميًا.
مرج باشانغ
مرج باشانغ هو الأكثر شهرة بين الصينيين. و هو الأكثر شهرة بين البكينيين و هو الأقرب الى العاصمة من بين مروج منغوليا الداخلية، حيث تقطع السيارة المسافة اليه من بكين في ثلاث ساعات تقريبا ،و هو المكان الذي يحب البكينيون ركوب الخيل فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع.
شيلينجول
شيلينجول هو المرج النموذجي لمروج منغوليا الداخلية، يطلق عليها اسم “مراعي المدينة”،لكونها على بعد 20 كيلومترا فقط بالسيارة عن مدينة هوهيهوت.
وهو محمية طبيعية على مستوى الدولة، وهو مرج عشب رطب، ومناظره جميلة، وبه أنواع الأحياء الكاملة نسبيا، ويحافظ على المناظر الطبيعية الكاملة لنوع المروج في شمال الصين،تقع مراعي سيلينجول على المنحدر الجنوبي لجبل داتشينغ في جبال يينشان،تركز المنطقة بشكل رئيسي على زراعة الأعشاب العلفية الطبيعية، و قد تمت زراعة أكثر من 40 نوعا من الأعشاب العلفية الطبيعية للترميم البيئي و إستعادة الأراضي التي تصحرت،و هو ما أدى الى إنشاء منطقة سياحية طبيعية تعكس ثقافة المراعي.
وينتشر فيه عدد كبير من المواقع السياحة البيئية. يتلوى فيه نهر شيلين، وعلى جانبي النهر عدد كبير من القصب وغيره من النباتات المائية.
صحراء كوبوتشي..من صحراء قاحلة الى جنة خضراء
تقع صحراء كوبوتشي في مدينة أوردوس بمنطقة منغوليا الداخلية في شمال الصين، وتبلغ مساحتها الإجمالية 18600 كيلومتر مربع.
كوبوتشي في اللغة المنغولية تعني “قوس النجاح”، وذلك لأنها كانت قبل 100 عامًا أرضًا نابضة بالحياة تعج بالغابات ومصادر المياه المفتوحة، حيث عاش أسلاف قبائل الهنود الشماليون والهون حياة مزدهرة، معتمدين على مياه الأمطار، نظرًا لأن المنطقة مرتفعة عن مستوى النهر الأصفر 20 متر تقريبًا، وفي عهد أسرة وي الشمالية الحاكمة، تم قطع أشجار الغابات ونقلت المراعي لأماكن أخرى بهدف زراعة المنطقة بالمحاصيل، إلا أن كوبوتشي وقعت ضحية التصحر وزحف موجات الرمال نتيجة الإخلال بالنظام البيئي،حتى أصبحت تعرف باسم “بحر الموت”، فقد عانت المنطقة من تصحّر عنيف بفعل التغيّر المناخي، وهو ما قضى على مقوّمات الحياة وجعل العيش فيها مهمّة شبه مستحيلة، كونها أيضا ممرا للعواصف الحارّة التي تنقل معها كميات هائلة من الرمال والتي مثّلت قلقا لسكّان العاصمة الصينية أيضا.
تعد صحراء كوبوتشي سابع أكبر صحراء في الصين، التي تحولت إلى جنة خضراء بفضل جهود الحكومة الصينية في استصلاحها وزراعتها بمختلف المحاصيل والأشجار، وأيضًا تثبيت الكثبان الرملية خصوصًا بجوار النهر الأصفر الذي يقطع المحافظة من الغرب للشرق، لحماية الزراعات والثروة الحيوانية من التصحر والعواصف الرملية.
المعجزة التي شهدتها صحراء كوبوتشي، تؤكد مدى حكمة الصينيين وصبرهم، وتفسر كيف تبوأت الصين هذه المكانة العالمية المرموقة.
أسست الحكومة الصينية شركة ضخمة لتعمير الصحراء، ومكافحة التصحر وحماية المدن والمساحات الخضراء من العواصف الرملية، والتي كانت تهاجم البشر والحيوانات كل فترة مع هبوب الرياح وتحرك الرمال نجحت الحكومة الآن في التقليل منها لدرجة أنها اختفت تقريبًا، كما فتحت المجال أمام الأفكار التنموية وشجعت الاستثمار في الصحراء، وهو ما حاز تقدير عالمي، حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينج خلال كلمته في افتتاح الدورتين السونيتين للبرلمان والمجلس الاستشاري لمجلس نواب الشعب مارس 2018، أن الأمم المتحدة اعترفت بالإنجاز الذي تحقق في صحراء كوبوتشي، وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، وأن ما تحقق على الأرض في منغوليا الداخلية أحد إنجازات الصين الرائدة في تحسين البيئة الإيكولوجية.
شارع شاوماي للمأكولات الشعبية
و لعشاق اكتشاف الماكولات الشعبية الصينية في مقاطعة منغوليا الداخلية شارع شاوماي عنوان فنون الطبخ الصيني.
يمتد شارع شاوماي على طول 1100 متر، يبدأ من المدخل الشرقي لشارع معبد وودا شرقا ، بجوار طريق شي يانغ تشياو ،و يمر عبر حارة شياو تشاو توداو و صولا الى المدخل الغربي لشارع شينغيشنغ ، و يمتد شمالا الى شمال شارع شياو تشاو تشيان بجوار شارع دادونغ ،يحتوي الشارع على 77 مطعم و 41 مطعم شاوماي من مجموع 254 محلا يكون طول الشارع.
وفي ختام الرحلة تترك في نفسك الزيارة انطباعات راسخة ان منغوليا الداخلية وجهة سياحية رائعة في شمال الصين. تتميز بمناظر طبيعية خلابة وثقافة بدوية أصيلة، الى جانب مختلف المعجزات العلمية والتكنولوجية التي حولت المنطقة من أرض قاحلة الى سلسلة مراعي تنضب بالحياة، من خلال سياسات الاستصلاح وسياسة التصنيع الزراعي وانشاء أكثر من 30 منصة بحثية وعلمية تهتم بالبذور وتطوير الثروة الحيوانية.
المركز الدولي للصحافة
سعيد زناتي – بكين-