بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
ها نحن اليوم بصدد اخر اللقاءات الجهوية حول واقع قطاع الاعلام والاتصال في بلادنا وأفاقه. لقد لمسنا في اللقاءات الثلاثة السابقة، التي عقدنها تباعا بوهران وقسنطينة و ورقلة، مع مهنيي الاعلام والاتصال في هذه الجهات من الوطن، اهتماما كبيرا بالواقع الحالي للمهنة و وعي متقد برهانات المستقبل على ضوء التغييرات الحاصلة على مستوى النماذج الإعلامية المنتهجة، وكذا على المستوى التقني والتكنولوجي.
أقول لكم وبكل صدق، أنا أشعر بارتياح كبير مما شاهدته ولمسته من تجاوب كبير مع مسعى استحداث جبهة إعلامية موحدة، كفيلة بالرفع من انتاج المضامين الإعلامية الوطنية، بما يجعلها تتجاوب والتحديات الحالية، التي تطبعها الهجمات المتكررة والمباشرة ضد بلادنا، أو تلك الهجمات الأكثر مكرا التي تسكب سمومها، مستعملة الفضاء الرقمي لتنفيذ أجنداتها القذرة. وتدخل هذه العمليات ضمن ما يصطلح عليه بحرب الجيل الخامس، وهي حرب معرفية تسعى لتغيير سلوكيات المواطن تجاه بلاده ودفعه لمواقع يضعف بها قوام دولته.
ونحن في عاصمة البلاد نستذكر بالمناسبة، شهداء المهنة، وهم كثر، كما نستحضر شهداء الواجب الوطني، وتحوز المهنة في الجزائر، كما تعلمون، على قائمة طويلة من الأسماء والأقلام المشهورة، نترحم اليوم على أرواحهم الطاهرة، ونستحضر تلك الروح المقاومة التي كانت تدفعهم في عملهم للذود عن حرمة الوطن المفدى، وعن وحدته، وعن سيادة دولته، وعن مبادئ الجمهورية المستلهمة من نداء أول نوفمبر، الذي أقر بإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية.
نحن نجتمع اليوم كأسرة واحدة، تسعى بكل ما اكتسبته من معارف خلال التجربة الطويلة للصحافة في الجزائر، للوقوف أمام واقع المهنة ومساءلته في هدوء وروية، بما يكفل رفع العقبات الموجودة وحلحلة التعقيدات المتراكمة، لوضع ورقة طريق واضحة كفيلة بالانتقال بإعلامنا نحو الأحسن، و بما يجعله يواكب التقدم الحاصل على المستوى العالمي، والارتقاء به الى مرحلة جديدة تسمح له بالتفاعل الايجابي مع مستلزمات الطفرة النوعية التي تعرفها بلادنا على كافة المستويات، وكفيلة كذلك بجعله يتولى مهامه الوطنية في الرد على الهجمات الإعلامية المتعددة المصادر.
سيداتي، ساداتي،
أيها الحضور الكريم،
في عالم تتنوع فيه وسائط إرسال المعلومة وتتغير فيه تقنيات الاستهلاك الإعلامي، أصبح اليوم من الضروري، أكثر من أي وقت مضى، مواكبة التحول الرقمي بوعي و جدية، وذلك من خلال انتاج مضامين مكثفة ونوعية تضمن الحضور المستمر في الفضاء الرقمي، و في منصات التواصل الاجتماعي أو ما أصطلح عليه اليوم بوسائل الاعلام البديلة وما تحمله من مخاطر، لكونها في متناول الجميع و لكونها كذلك قد أكدت فعاليتها، من خلال استعمالها من طرف أوساط امتهنت حرفة ضرب استقرار البلدان، وهذا ما لمسناه في الماضي القريب. وهنا يجب التشديد على أن هذه الأجندة الهدامة لازلت سارية المفعول.
وفي هذا الإطار، فإننا مطالبون وبشدة برفع تحدي رقمنة قطاع الاعلام، بما يكفل تضييق الفجوة الرقمية، ومسايرة مجهودات الدولة المتواصلة على مستوى تجديد الهياكل القاعدية المتعلقة بذلك. ان العمل جار، حاليا، لإدراج تقنيات الجيل الخامس، وسيتم الإعلان عليه، مع بداية جوان المقبل، من خلال الوزارة الوصية، أي وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية.
إنني متأكد كذلك من ادراككم بأهمية هذا الانتقال الرقمي وبضرورة إعادة النظر في النموذج الإعلامي الحالي، والرقي به الى مرحلة، تجعله يستفيد من المكتسبات الجديدة لتكنولوجيا الاعلام الحديثة وتداعياته على مستوى، ما يعرف اليوم، بالملتيمديا أو الاعلام المتعدد الوسائط، ولنا في الجزائر بعض التجارب الناجحة التي يجب أن يحتذى بها.
وبالمقابل، فقد أضحى التكوين النوعي ومحاكاة التجارب الخلاقة في هذا المجال في البلدان الأخرى مطلبا ملحا. ولقد باشرنا بتنظيم دورات لتكوين الصحفيين في العديد من المجالات الإعلامية، ولعل إعادة رسكلة الصحفيين حسب المستجدات الجديدة على مستوى التقنيات أو فنيات التحرير، كما هو حاصل فيما يسمى بفنيات التحرير في صحافة “الواب”.
سيداتي، ساداتي الكرام،
ان الثورة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي، جعلت من التحكم في التقنيات الجديدة أكثر من ضرورة. فعلينا اليوم التوجه الى هذا الوافد الجديد في قطاع الاعلام عن طواعية وبطريقة مدروسة والا سنقع تحت طائلته، ونتجرع بذلك سلبياته ومخاطره.
أنتم على دراية كذلك، بأن للذكاء الاصطناعي استعمالات كثيرة، كفيلة بتسهيل المهام على الصحفي وجعله يهتم أكثر بنجاعة ونوعية المضامين التي ينتجها.
إن التحكم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، سيمكن المؤسسة الإعلامية والصحفي، على حد سواء، من تحليل المعطيات، كما سيساعد على مهمة التحري و التحقق من مصدر الخبر وموثوقية مضمونه.
هذا، إذا كنا، طبعا، نتحكم في هذه التقنيات، وفي حالة ما كان الأمر عكس ذلك، فمخاطره ستكون كبيرة.
لذا، فمن البديهي الإلحاح على التكوين المستمر في هذا الاتجاه ومواكبة المستجدات المتواترة في هذا المجال المفتوح على الابتكارات.
وعليه، فمن البديهي، اليوم، القول بأن العمل على تطوير الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي، يساهم بكل تأكيد في دعم السيادة الرقمية الوطنية.
وسأكون صاغيا لاقتراحاتكم في هذا الموضوع، لأنكم أول المستخدمين لهذه المكتسبات التكنولوجية، وعليه، فإنني أنتظر منكم ورقة طريق تسمح لنا من ضبط أخلاقيات استعمال الذكاء الاصطناعي في الاعلام، لأن الجزائر قد وضعت ترسانة قانونية كاملة لحماية البيانات ذات الطابع الشخصي.
سيداتي، ساداتي الكرام،
أصبح اليوم الاعلام الجواري ضرورة استراتيجية، بالنظر لما يوفره من مضمون قريب من اهتمامات المواطن، مما يجعله في مأمن من الأخبار الكاذبة والمضامين التي تشوه صورة البلاد وتؤثر في سلوكيات الفرد والمجتمع.
إن الاعلام الجواري الذي نسعى لتشجيعه، يجب أن يكون منبرا لنقل نبض الحياة في الأحياء والقرى والمدن، وانشغالات المواطن وإنتظاراته، تطلعاته وأماله. وبذلك يصبح للإعلام الجواري جدوى، لكونه يشكل رافدا حقيقيا وأساسيا للتنمية المحلية وأداة متينة للدفاع عن الذاكرة الجماعية وعن رمزيات وثوابت الأمة.
وفي هذا المجال، لا يفوتني أن أذكركم بتأكيد السيد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في العديد من المناسبات، على أهمية الاعلام وعلى ضرورة تكريس “إعلام القرب” والتكفل بإنشغالات المواطن محليا، بما يعزز اللحمة الوطنية من خلال رسالة إعلامية مسؤولة وناجعة.
سيداتي، ساداتي الكرام،
إن ما ننتظره من أشغال هذا الملتقى، نأمل أن يكون بحجم التجربة الصحفية التي عرفتها عاصمة البلاد، وكذا بحجم التحديات السياسية للمرحلة الدقيقة التي يعرفها العالم، والتي ستكون لها تداعيات، لا محالة، على البلاد، لذا يجب أن نحضر كل ما نمتلك لمجابهتها.
إن ما ينتظرنا كذلك في المستقبل القريب، ليس بالهين، فنحن جميعا مطالبين بتشكيل الهيئات المنظمة للنشاط الصحفي من خلال الوسائط السمعية والبصرية أو الصحافة المكتوبة والالكترونية. كما تنتظرنا ورشة كبيرة، تتعلق بتنصيب أعضاء مجلس أخلاقيات المهنة، وهو الأمر الذي يفرض علينا التجنيد ضمن جبهة اعلامية موحدة لرفع كل هذه التحديات.
أيها الحضور الكريم،
نحن مطالبون بهذه المناسبة من خلال هذه الورشات بوضع اللبنات الأساسية، التي تجعل قطاعنا يرفع من وتيرة انتاج المضامين الإعلامية، مع مراعاة الجودة والنوعية، وذلك عبر جل الوسائط المتوفرة، بما يكفل لنا جميعا الوقوف أمام هذه الهجمة الإعلامية الممنهجة والتي تتخذ من حرية التعبير ذريعة لها.
ختاما، أتمنى من كل المشاركين في هذا اللقاء المساهمة بنشاط في الورشات الأربع، وأنا على قناعة تامة بان الاسرة الإعلامية المجتمعة اليوم واعية كل الوعي بحساسية المرحلة وإنها سترفع كل التحديات.
وفي النهاية لا يسعني الا أن أتمنى لأشغالكم كل النجاح.