أكد “المركز الفرنكو-صحراوي للدراسات والتوثيق أحمد بابا مسكة” أن قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر في 4 أكتوبر الجاري يمثل “نقطة تحول رئيسية” في الصراع بالصحراء الغربية، معتبراً إياه “ضربة قوية” لسياسة المغرب الاستعمارية.
جاء ذلك في تقرير مفصل للمركز سلط الضوء فيه على أهمية القرار التاريخي للمحكمة الأوروبية، الذي لا يقبل الطعن، وتداعياته على الصعيدين السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، بالإضافة إلى استراتيجية جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي بعد هذا القرار، في الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي وثرواته.
وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت في 4 أكتوبر 2024 قرارًا بشأن الصحراء الغربية يلغي اتفاقيتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تتعلقان بالزراعة والصيد البحري، معتبرةً أنهما غير قانونيتين لأنهما تشملان إقليم الصحراء الغربية وتم التوقيع عليهما دون استشارة الشعب الصحراوي. كما أكدت المحكمة أن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي للشعب الصحراوي ومنحتها حق التصرف القانوني باسمه أمام محاكم الاتحاد الأوروبي.
وفيما يتعلق بالتداعيات السياسية لقرار المحكمة الأوروبية، أبرز التقرير أن محكمة العدل الأوروبية أكدت مجددًا على مبدأ حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مشددًا على أن هذا الحكم “عزز هذا الحق وجعله ركيزة ثابتة”.
وأشار التقرير إلى أن هذا القرار يلغي بشكل ضمني اتفاقيات مدريد لعام 1975 التي لم تشمل جبهة البوليساريو أو الشعب الصحراوي، ويُبطل أيضًا رسالة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، الداعمة لأطروحة الحكم الذاتي تحت السيادة المزعومة للمغرب في عام 2022. كما يوجه القرار – حسب التقرير – “ضربة لفرنسا التي دعمت المغرب، ما يضع كلا من مدريد وباريس في مواجهة مع القانون الدولي”.
وتابع التقرير قائلاً: “قرار المحكمة يسقط محاولات المغرب التأثير على الاتحاد الأوروبي واستغلال قضايا الهجرة والفساد لتعزيز سياسته الاستعمارية”.
وبخصوص التداعيات الاقتصادية، أفاد التقرير بأنه بعد إلغاء الاتفاقيتين المتعلقتين بالزراعة والصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، سيتكبد الطرفان خسائر مالية كبيرة، موضحًا أنه “خلال الفترة من 2019 إلى 2023، استفاد الاتحاد الأوروبي من 128 رخصة صيد في الصحراء الغربية مقابل 208 ملايين يورو دفعها للمغرب”، مشيرًا إلى أن “كل يورو تم استثماره في قطاع الصيد كان ينتج عنه حوالي 3.3 يورو من العائدات”.
عدم الامتثال لقرارات محكمة العدل الأوروبية يؤدي إلى عقوبات مالية صارمة
وتابع التقرير بالقول: “المغرب سيخسر في قطاع الصيد البحري 50 مليون يورو سنويًا كخسائر مباشرة. أما في القطاع الزراعي، فقد استورد الاتحاد الأوروبي منتجات من الصحراء الغربية بقيمة 77.5 مليون يورو في عام 2021”.
وفي هذا السياق، نبه التقرير إلى أن “مداخيل قطاعي الصيد البحري والزراعة بالإضافة إلى الفوسفات تمثل أساس الاقتصاد الاستعماري”، لافتًا إلى أنه يمثل 30% من اليد العاملة في المنطقة المحتلة، حسب دراسة للاتحاد الأوروبي.
كما سيتأثر الاقتصاد بشكل حاد – يضيف المصدر – “لأن هذه القطاعات تجمع العديد من المتدخلين، كالشركات الصغيرة المحلية التي تعتمد على السوق الأوروبية”.
وأوضح التقرير أنه إضافة إلى التأثير المحلي، ستكون “هناك تداعيات على الفاعلين الأجانب، حيث قد يصبح مستقبل أنشطتهم في المنطقة غير مضمون، حتى لو كانت شركات التأمين غير أوروبية، لأنها تعمل في اقتصاد عالمي يخضع لمعايير أخلاقية مثل المسؤولية، التي قد تؤدي مخالفتها إلى استبعاد الشركات من الأسواق الاجتماعية”.
وتطرق التقرير أيضًا إلى المخاطر في حالة عدم الامتثال لقرارات محكمة العدل الأوروبية، مؤكدًا أن “التجارب السابقة تؤكد أن عدم الامتثال يؤدي إلى عقوبات مالية صارمة على الدول الأعضاء”.
واستدل في هذا الإطار، بتغريم بولندا سنة 2021 بمليون يورو يوميًا وإيطاليا 60 مليون يورو، بسبب عدم الامتثال للتشريعات الأوروبية، مؤكدًا أن هذه الحالات تدل على قدرة المحكمة على فرض عقوبات فعالة، مما يجبر الدول والشركات على احترام قراراتها.
وخلص المركز الفرنكو-صحراوي إلى أن “هذا القرار التاريخي يمثل نقطة تحول هامة في نضال الشعب الصحراوي المستمر منذ أكثر من 50 عامًا ضد الغزاة المتعاقبين، ويشكل ضربة قوية للسياسة الاستعمارية للمغرب، بما يحمله من تأثيرات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، حيث يضع المغرب في أزمة خطيرة وسط ديون متفاقمة واضطرابات داخلية”.
وأبرز ذات المركز أن هذا القرار “يأتي في سياق عالمي متعدد الأقطاب يرتكز على احترام القانون الدولي وحماية حقوق الشعوب في السيطرة على مواردها. كما يتيح الفرصة لبعض الدول الأوروبية لإعادة النظر في موقفها المتجاهل لحق الشعوب في تقرير مصيرها”.