بكين-انطلقت في العاصمة الصينية بيجين اليوم الأربعاء 4 سبتمبر 2024و على مدى ثلاثة أيام، أعمال القمة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي والرابع على مستوى قمة رؤساء الدول، تحت عنوان ” التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا”.، بحضور قادة الدول الإفريقية الأعضاء في المنتدى، وممثلي المنظمات الإقليمية والمنظمات الدولية ذات الصلة.

كان قد عقد اجتماع السابع عشر لكبار مسؤولي (فوكاك)والمؤتمر الوزاري يومي 2 و3 سبتمبر على التوالي إستعدادا للقمة أعمال المنتدى ستتمحور حول موضوع ” التكاتف من اجل تعزيز التحديث، وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين و افريقيا” عبر المحاور الأربعة للورشات رفيعة المستوى حول حوكمة الدولة، التصنيع والتحديث الزراعي، والسلام والأمن فضلا عن التعاون عالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويتضمن جدول أعمال القمة المؤتمر الثامن لرواد الأعمال الصينيين والأفارقة. وكان الرئيس الصيني “شي جين بينج” أجرى على مدار الأيام الماضية سلسلة مباحثات مع عدد من الزعماء الأفارقة على هامش القمة.

المنتدى الذي يستمر حتى 6 سبتمبر تحت عنوان “التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا” سيتضمن كلمة للرئيس الصيني شي جين بينغ في 5 سبتمبر، ضمن حفل افتتاح في قاعة الشعب الكبرى، حول الأفكار الجديدة لبناء الصين وإفريقيا مجتمع ذي مستقبل مشترك، يلي الحفل اجتماعاً على مستوى حكومي حول الحوكمة الوطنية والتصنيع والتحديث الزراعي والبناء المشترك عالي الجودة لـ”الحزام والطريق”، حيث سيتم عقد أربعة اجتماعات رفيعة المستوى حول مبادرة الحزام والطريق.

التعاون الصيني- الإفريقي عبر الزمن

ان الحديث عن العلاقان الصينية الإفريقية يعود الى ما قبل تأسيس منتدى التعاون الصيني الإفريقي بسنوات عديدة، ففي السنوات السابقة على العام 2000 م ، كانت الصين تعد من أوائل الفاعلين الذين حرصوا على التوجه نحو القارة الإفريقية و الانخراط في شؤونها ، في وقت واجهت القارة الإفريقية العديد من التحديات كالتهميش الذي حدث بالتزامن مع أجواء الحرب الباردة، إضافة الى الحروب الأهلية التي منيت بها و عبء الديون المنهك.

في ظل هذه الأوضاع المتردية برزت الصين كشريك موثوق به للقارة، و تدخلت عندما كانت افريقيا في أمس الحاجة الى الدعم، تم إنشاء منتدى التعاون الصيني – الإفريقي (فوكاك) كمنصة تعقد اجتماعا (قمة) بشكل دوري كل 3 سنوات و تعقد كل قمة بالتناوب بين الصين و إحدى الدول الإفريقية ، للتنسيق السياسي رفيع المستوى، بما يمثل بداية عصر جديد للتعاون بين الجانبين الصيني الإفريقي. إذ مان المنتدى عبارة عن منصة تركز في المقام الأول على العلاقات الاقتصادية، ثم توسع لاحقا ليشمل مجموعة أوسع من القضايا التي تعكس الأولويات الصينية الإفريقية ليشمل الصعيد التجاري حيث باتت الصين الشريك التجاري الأول للقارة منذ عام 2009 م ، و لمدة 15 عام على التوالي بشكل عام يسهل المنتدى المناقشات و الإتفاقيات و المشاريع التعاونية بين الصين و الدول الإفريقية ، حيث انها الألية الأساسية لتنسيق السياسات الرئيسية. حيث أسفر المنتدى عن التزامات مالية ملحوظة للقارة الإفريقية على سبيل المثال شهدت قمة عام 2021 م تعهدا بقيمة 40 مليار دولار امريكي يشمل البنية التحتية والزراعة والتصنيع وغيرها من العوائد.

القارة السمراء و المنتدى الصيني- الإفريقي

يعد منتدى التعاون الصيني الإفريقي إطارا مؤسساتيا للتعاون الاقتصادي تأسس بمبادرة مشتركة من الصين الدول الإفريقية، يهدف الى تعميق التعاون لتحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة تحديات العولمة. ويلعب منتدى التعاون الصيني الإفريقي دورا مهما في تفعيل وتعزيز التعاون بين الطرفين، وهو ما ينعكس في التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين وإفريقيا، وذلك عبر التواصل والتنسيق المستمر بين قادة الجانبين بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، و هو ما أدى الى إرساء أسس سياسية متينة لتدعيم الصداقة التقليدية، و زيادة الثقة السياسية المتبادلة، و حماية المصالح المشتركة، و مواصلة التنمية والتعاون. و تعد القارة السمراء منطقة مهمة في السياسة الخارجية الصينية ، حيث كانت بعض الدول الإفريقية ضمن جدول الزيارة الخارجية الأولى التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينج بعد توليه منصبه في عام 2013 ، حيث اعلن عن مبدأ الإخلاص و النتائج الحقيقية و الصداقة و حسن النية باعتباره ركيزة لسياسة الصين تجاه افريقيا و ارتقاء العلاقات الصينية الإفريقية الى أفاق جديدة و دخولها المرحلة الراهنة المتمثلة في العمل معا لبناء مجتمع مصير مشترك صيني-افريقي رفيع المستوى ،حيث اتخذت الصين موقفا مخالفا للدول الغربية في التعاون الاقتصادي مع افريقيا ، و يواصل التعاون الاقتصادي و التجاري بين الصين و افريقيا الإرتقاء الى مستويات جديدة منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني- الإفريقي ، ما جلب منافع ملموسة لشعبي الصين و افريقيا ، في ظل دخول التعاون الثنائي بين الطرفين مرحلة جديدة من النمو بقوة دفع كبيرة بفضل فاعلية دور منتدى التعاون الصيني الإفريقي ، الذي يتم من خلاله تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات عدة ، مثل تدشين المجمعات الصناعية ، و تحسين البنى التحتية في اطار مبادرة “الحزام و الطريق”.

العلاقات الصينية – الإفريقية بالأرقام

دائما تكون الأرقام و الحقائق هي المؤشر الأساسي في حجم العلاقات بين الدول ، فنجد نمو حجم التبادل التجاري بين الصين و افريقيا، لتصبح الصين اكبر شريك تجاري لإفريقيا،فقد شهدت السنوات الأخيرة توسعا في حجم و نوعية التجارة بين الصين و القارة السمراء ، ووفقا لمؤشر التجارة الصيني الإفريقي الذي صدر لأول مرة في عام 2023، ارتفعت قيمة واردات و صادرات الصين من و الى افريقيا من أقل من 100 مليار يوان ( نحو 14 مليار دولار امريكي) في عام 2000 الى 1.88 تريليون يوان (نحو 263 مليار دولار امريكي( في عام 2022، بزيادة تراكمية بنحو 20 مرة، أما في عام 2023 فقد بلغ حجم التجارة بين الصين و افريقيا 282.1 مليار دولار امريكي بزيادة سنوية قدرها 1.5 بالمئة كما زادت واردات الصين من المكسرات و الخضروات و الزهور و الفواكه من إفريقيا بنسبة 130 بالمئة و 32 بالمئة و 14 بالمئة و 07 بالمئة على التوالي على أساس سنوي ، فيما ارتفعت الصادرات الصينية من السيارات الكهربائية و بطاريات الليثيوم و المنتجات الكهروضوئية الى افريقيا بنسبة 291 بالمئة و 109 بالمئة و 57 بالمئة على التوالي على أساس سنوي ،مما يدعم بقوة التحول الأخضر في افريقيا.

حتى نهاية جوان / يونيو 2024، فرضت الصين تعريفات جمركية صفرية على 98 بالمئة من المنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية من 27 دولة افريقية أقل نموا، ووقعت اتفاقيات ثنائية لتعزيز وحماية الإستثمار مع 34 دولة افريقية، ووقعت اتفاقيات لتجنب الإزدواج الضريبي مع 21 دولة افريقية.

إن الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين و الجزائر دخلت مرحلة هامة و فتحت أمامها فرص جديدة ،حيث تطور التعاون الاقتصادي و التجاري بين البلدين بقوة ،تجاوز فيها لأول مرة إجمالي التجارة الثنائية 10 مليارات دولار امريكي في العام 2023 لتحتل الجزائر المرتبة الأولى في شمال افريقيا من حيث حجم الإستثمارات الصينية بنسبة 3.4 بالمئة.، حيث ان بعض الشركات الصينية تعمل في الجزائر منذ اكثر من 40 سنة ،إذ يعد جامع الجزائر و الطريق السيار شرق- غرب و كذا الملاعب و المساكن الاجتماعية و غيرها تعد كلها علامات فارقة في تطور المدن الجزائرية و تجسيد حي للتعاون المتبادل بين جمهورية الصين الشعبية و الجزائر.

تعطي هذه المؤشرات دلالة على وجود انسجام اقتصادي كبير بين البلدين تؤشر الى ارتفاع هذه الأرقام بشكل كبير خلال السنوات القادمة في ظل توجه الجزائر من خلال مشاريعها نحو الدخول الى العمق الإفريقي مع وجود هذه الغاية كهدف استراتيجي اقتصادي بالنسبة للصين، وكذا وجود رؤية استراتيجية متكاملة بين البلدين في ضرورة ان تكون الجزائر محورية ضمن طريق الحرير في توجه الصين بكل قوتها الاقتصادية نحو افريقيا. وتعتبر الصين اول دولة غير عربية اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1958.

تعد إفريقيا منطقة نموذجية للتعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق وتنفيذ مبادرات التنمية العالمية، حتى أصبحت الدول الإفريقية من أكثر دول العالم استجابة للمبادرات الصينية و اقوى دول العالم المشاركة في حماية السلام العالمي. كما تسعى الصين لبناء أساس متين للصداقة الصينية الإفريقية من خلال التبادلات الشعبية والثقافية.

أهمية القمة

ان القمة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي ستتخذ شعار “العمل معا من أجل التحديث و بناء مجتمع المصير المشترك” ،ستسعى الى زيادة الثقة السياسية المتبادلة من خلال تنسيق المواقف و السياسات للتوصل الى التوافقات تجاه القضايا الإقليمية و التحديات العالمية من اجل تعزيز قوة دول الجنوب العالمي و إعلاء صوت الدول النامية، كما يرى مختصون ان الرئيس الصيني “شي جين بينج” سيطرح أفكارا و مقترحات جديدة لبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين و افريقيا و سيعلن عن إجراءات و تدابير جديدة للتعاون العملي مع القارة الإفريقية ،من خلال المواضيع التي سيتناولها المنتدى مثل حوكمة الدولة ،و التصنيع و التحديث الزراعي ،و السلام و الأمن فضلا عن التعاون عالي الجودة في اطار مبادرة الحزام و الطريق.

ستمثل هذه القمة فرصة مهمة للتعاون مع إفريقيا في رحلة جديدة نحو التحديث، والإرتقاء بمجتمع المصير المشترك بين الصين وإفريقيا، وكتابة فصل جديد للصداقة بين الشعب الصيني وشعوب القارة الإفريقية مع توليد زخم قوي لدفع التحديث العالمي. اذ تعتبر النسخة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي الية التنسيق الرئيسية متعددة الأطراف بين الدول الإفريقية والصين، بالإضافة الى منصة تعاون ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.

سعيد زناتي